جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
shape
حاجة البشر إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
120325 مشاهدة print word pdf
line-top
المقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا .
أما بعد:
فإن الله -عز وجل- امتَنَّ على هذه الأمة ببعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال -تعالى- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ .

فقد بعثه ربه إلى الإنس والجن عامة ينذرهم من الشرك، ويدعوهم إلى التوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة، والبراءة من الشرك وأهله، والولاء للتوحيد وأهله.
وقد أخذ -صلى الله عليه وسلم- على هذا نحوا من ثلاث عشرة سنة بمكة ثم هاجر بعد ذلك إلى المدينة
فلما استقر فيها أمر ببقية الشرائع. وإن مما أمر به -صلى الله عليه وسلم- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال الله -تعالى- خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ فاستجاب لأمر ربه فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعا إلى الله حتى بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونَصَح الأمة.
وإن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منزلة عظيمة، فقد جاء ذكره في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، فهو من أهم الخصائص التي تميزت بها الأمة المحمدية، قال -تعالى- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ .
ومن الآيات التي ذكرت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قوله -تعالى- وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
وقوله -تعالى- الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ .

وقوله تعالي: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ .
وقوله -تعالى- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ .
والآيات في ذلك كثيرة.
ومن الأحاديث التي حثت وأكدت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: عن حذيفة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم .
وقوله -صلى الله عليه وسلم- لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم .
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو وظيفة الرسل جميعا، وإن أكبر معروف هو: معرفة الله وتوحيده. وأكبر منكر هو: الكفر بالله وعبادة غيره معه.
وهو أيضا وظيفة أتباع الرسل الصادقين، الذين اتبعوا الرسل بصدق وإخلاص، ولم يبتدعوا في دين الله -تعالى-.

ومن المقرر أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما تصلح به المجتمعات وبدونه تعتريها الآفات، وتنعدم الأخلاق ويسود الفساد ويؤخذ العامة بذنب الخاصة، قال -تعالى- وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً .
وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون نظام المجتمع وقوامه.
ونظرا لأهمية هذا الموضوع فقد قمت بجمع وترتيب هذه الرسالة من محاضرات ودروس ومؤلفات وفتاوى فضيلة شيخنا العلامة الإمام: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين وفقه الله للصواب، ثم أضفت إليها مجموعة من الأسئلة في نفس الموضوع، ثم عرضتها على فضيلته فصححها، وأجاب على جميع الأسئلة فيها، ثم أذن لي بنشرها عَلَّ الله أن ينفع بها.
والشيخ عبد الله بن جبرين -حفظه الله- ممن قاموا بهذا الواجب بقدر الاستطاعة، فدعا إلى الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فدروسه ومحاضراته وفتاواه حفظه الله تنطق بذلك.
فإننا نرى ويرى الجميع أن وقت الشيخ -حفظه الله- كله صرف في خدمة هذا الدين.
فمن أول النهار حتى الثانية والربع ظهرا قبل تقاعده يجلس -حفظه الله- في الرئاسة العامة للإفتاء، فيرد على الأسئلة عبر الهاتف، وأخرى يجيب عليها مشافهة، وأخرى يجيب عليها كتابة، وهكذا يستمع إلى قضايا المراجعين، ويكتب لهم ما يريدون، فيشفع لهذا، ويساعد ذاك، ولا يرد أحدا في طلبه -حفظه الله ورعاه-.
ثم يخرج -حفظه الله- من الرئاسة آخر موظف، حتى أنني رأيته ورآه غيري -عند خروجه من الرئاسة- يطفئ الأنوار التي في الممرات حرصا منه -حفظه الله- على عدم الإسراف.
وبعد العصر حتى المغرب يستقبل الناس في منزله ويجلس معهم، ويرد على أسئلتهم ويلبي مطالبهم.
وبعد المغرب حتى بعد العشاء يلقي الدروس والشروح في بعض المساجد.
ثم يعود للبيت فيبحث ويقرأ الكتب والرسائل التي تُقدَّم له لمراجعتها.
وبعد الفجر يلقي بعض الدروس والشروح... وهكذا .
فكم ساعة ينام الشيخ خلال الأربع والعشرين ساعة؟! إنه قد جعل أكثر وقته لخدمة هذا الدين العظيم.
فنسأل الله أن يحفظ شيخنا، ويمد في عمره في خدمة هذا الدين، وأن يكتب ذلك في موازين حسناته، وأن يجعله من أهل الجنة وأهل الفردوس الأعلى، مع النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا.
وبهذه المناسبة فإنني أشكر كل من ساهم معي في إعداد هذا الكتاب، وتزويدي ببعض الأسئلة والاستفسارات لعرضها على فضيلة الشيخ والإجابة عليها، وأخص بالذكر الأخ الفاضل علي بن عبد الله العماري، والذي كان له دور طيب وكبير في جمع كثير من الأسئلة، وذلك بمقابلة بعض العاملين في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعرفة أهم النقاط والمشاكل التي تواجههم، ثم صياغتها على شكل أسئلة، ومن ثم تم عرضها على فضيلة الشيخ والتي قام بالإجابة عليها، فجزاه الله خير الجزاء على ما قدم، وكتب ذلك في ميزان حسناته إنه سميع مجيب.
وختاما: نسأل الله -تعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، لا رياء فيه ولا سمعة، وأن يكتبه في موازين أعمالنا، وأن يبارك به ويجعل له القبول، وأن يعم بنفعه، إنه سميع مجيب والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

وكتبه
أبو أنس علي بن حسين أبو لوز
صباح الثلاثاء
5\3\ 1416هـ الموافق 1\8\ 1995م
الرياض - حي الخالدية
ص. ب 31271- الرمز: 11497

line-bottom